كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم قال فان قلت لم جعلت جواب لولا محذوفا يدل عليه هم بها وهلا جعلته هو الجواب مقدما قلت لأن لولا لا يتقدم عليها جوابها من قبل انه في حكم الشرط وللشرط صدر الكلام وهو مع ما في حيزه من الجملتين مثل كلمة واحدة ولا يجوز تقديم بعض الكلمة على بعض واما حذف بعضها إذا دل الدليل عليه فجائز.
فان قلت فلم جعلت لولا متعلقة بهم بها وحده ولم تجعلها متعلقة بجملة قوله ولقد همت به وهم بها لأن الهم لا يتعلق بالجواهر ولكن بالمعاني فلابد من تقدير المخالطة والمخالطة لا تكون الا باثنين معا فكأنه قيل ولقد هما بالمخالطة لولا ان منع مانع احدهما.
قلت نعم ما قلت ولكن الله سبحانه قد جاء بالهمين على سبيل التفصيل حيث قال ولقد همت به وهم بها فكان اغفاله الغاء له فوجب ان يكون التقدير ولقد همت بمخالطته وهم بمخالطتها على ان المراد بالمخالطتين توصلها إلى ما هو حظها من قضاء شهوتها منه وتوصله إلى ما هو حظه من قضاء شهوته منها لولا أن رأى برهان ربه فترك التوصل إلى حظه من الشهوة فلذلك كانت لولا حقيقة بان تعلق بهم بها وحده انتهى.
ولخصه البيضاوى في تفسيره حيث قال المراد بهمه عليه السلام ميل الطبع ومنازعة الشهوة لا القصد الاختياري وذلك مما لا يدخل تحت التكليف بل الحقيق بالمدح والاجر الجزيل من الله من يكف نفسه عن الفعل عند قيام هذا الهم أو مشارفة الهم كقولك قتلته لو لم اخف الله انتهى.
ورد هذا القول بأنه مخالف لما ثبت في اللغة من معنى الهم وهو القصد إلى الفعل مع مقارنته ببعض الأعمال الكاشفة عن ذلك من حركة إلى الفعل المراد أو شروع في بعض مقدماته كمن يريد ضرب رجل فيقوم إليه واما مجرد ميل الطبع ومنازعة القوة الشهوانية فليس يسمى هما البتة والهم بمعناه اللغوى مذموم لا ينبغى صدوره من نبى كريم والطبع وان كان غير مذموم لخروجه عن تحت التكليف لكنه لا يسمى هما.
اقول هذا انما يصلح جوابا لقولهم ان المراد بهمه عليه السلام ميل الطبع ومنازعة الشهوة واما تجويزه ان يكون المراد بالهم الاشراف على الهم فلا بل هو قول على حدة في معنى الآية وهو ان يفرق بين الهمين المذكورين فالمراد بهمها القصد العمدي إل‍ المخالطة وبهمه اشرافه عليه السلام على الهم بها من دون تحقق للهم بالفعل والقرينة عليه هو وصفه تعالى اياه بما فيه مدح بالغ ولو كان همه حقيقيا بالقصد العمدي إلى مخالطتها كان فعلا مذموما لا يتعلق به مدح اصلا فمن هنا يعلم ان المراد بهمه عليه السلام اشرافه على الهم لا الهم بالفعل.
والجواب انه معنى مجازى لا يصار إليه الا مع عدم امكان الحمل على المعنى الحقيقي وقد تقدم انه بمكان من الامكان.
على ان الذي ذكروه في معنى رؤيته برهان ربه وان المراد بها الرجوع إلى الحجة العقلية القاضية بوجوب الانتهاء عن النواهي الشرعية والمحارم الإلهية معنى بعيد من اللفظ إذ الرؤية لا تستعمل الا في الابصار الحسي أو المشاهدة القلبية التي هي بمنزلتها أو اظهر منها واما مجرد التفكر العقلي فلا يسمى رؤية البتة.
3- ومن الاقوال في الآية ان المراد بالهمين مختلف فهمها هو قصدها مخالطته وهمه بها هو قصده ان يضربها للدفاع عن نفسه والدليل على التفرقة بين الهمين شهادته تعالى على انه من عباده المخلصين وقيام الحجة عقلا على عصمة الأنبياء عليه السلام قال في مجمع البيان ان الهم في ظاهر الآية قد تعلق بما لا يصح تعلق العزم به على الحقيقة لأنه قال ولقد همت به وهم بها فعلق الهم بهما وذاتاهما لا يجوز ان يراد ويعزم عليهما لأن الموجود الباقي لا يصح ان يراد ويعزم عليه فإذا حملنا الهم في الآية على العزم فلابد من تقدير أمر محذوف يتعلق العزم به وقد امكن ان نعلق عزمه بغير القبيح ونجعله متناولا لضربها أو دفعها عن نفسه فكأنه قال ولقد همت بالفاحشة منه وارادت ذلك وهم يوسف بضربها ودفعها عن نفسه كما يقال هممت بفلان أي بضربه وايقاع مكروه به.
وعلى هذا فيكون معنى رؤية البرهان ان الله سبحانه اراه برهانا على انه ان اقدم على ما هم به اهلكه اهلها أو قتلوه أو ادعت عليه المراودة على القبيح وقذفته بانه دعاها إليه وضربها لامتناعها منه فاخبر سبحانه انه صرف عنه السوء والفحشاء اللذين هما القتل وظن اقتراف الفاحشة به ويكون التقدير لولا أن رأى برهان ربه لفعل ذلك ويكون جواب لولا محذوفا كما حذف في قوله تعالى: {ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رءوف رحيم} انتهى موضع الحاجة.
والجواب انه قول لا بأس به لكنه مبنى على التفرقة بين الهمين وهو خلاف الظاهر لا يصار إليه الا إذا لم يمكن حملهما على معنى واحد وقد عرفت امكان ذلك.
على ان لازمه ان يكون المراد بالبرهان الذي رآه ما يدل على انه ان ضربها استتبع ذلك هلاكه أو مصيبة أخرى تصيبه ويكون المراد بالسوء والفحشاء القتل والتهمة كما اشار إليه في المجمع وهذا خلاف ما يستفاد من السياق قطعا.
واما ما ذكره في المجمع من عدم جواز ارادة العزم على المخالطة من الهمين معا ومحصله ان الهم انما يتعلق بمن لا ينقاد للعازم الهام فيما يريده وإذا فرض تحقق الهم من احد الطرفين لم يصح تحققه مع ذلك من الطرف الاخر إذ لا معنى لتعلق الإرادة بالمريد والطلب من الطالب وبعث من هو مبعوث بالفعل.
ففيه انه لا مانع من تحقق الهم من الطرفين إذا فرض تحققهما دفعة واحدة من دون سبق ولحوق أو قارن ذلك عناية زائدة كانسانين يريدان الاقتراب والاجتماع فربما يثبت احدهما ويتحرك إليه الاخر وربما يتحركان ويقتربان ويتدليان معا وجسمين يريدان الانجذاب والاتصال فربما يجذب احدهما وينجذب إليه الاخر وربما يتجاذبان ويتدانيان.
4- ومن الاقوال في الآية ان المراد بالهم في الموردين معا الهم بالضرب والدفاع فهى لما راودته وردها بالامتناع والاستنكاف ثارت منها داعية الغضب والانتقام وهاج في باطنها الوجد الممزوج بالسخط والاسف فهمت به لتضربه على تمرده من امتثال ما امرته به وهو لما شاهد ذلك استعد للدفاع عن نفسه وضربها ان مستها بسوء غير ان ضربه اياها ومقاومته لدفعها لما كان ربما يتهمه في انه راودها عن نفسها ودعاها إلى الفحشاء اراه الله سبحانه بفضله برهانا فهم منه ذلك وألهم ان يختار للدفاع عن نفسه سبيل الفرار فقصد باب البيت ليفتحه ويخرج من عندها فعقبته فاستبقا الباب.
ولا مساغ لحمل الهم على الهم بالمخالطة اما في قوله ولقد همت به فلان الهم لا يكون الا بفعل للهام والوقاع ليس من افعال المرأة فتهم به وانما نصيبها منه قبولها لمن يطلبه منها بتمكينه منه هذا اولا.
على ان يوسف لم يطلب من امرأة العزيز هذا الفعل فيسمى قبولها لطلبه ورضاها بتمكينه منه هما لها فان نصوص الآيات قبل هذه الآية وبعدها تبرئه من ذلك بل من وسائله ومقدماته أيضا وهذا ثانيا.
على ان ذلك لو وقع لكان الواجب في التعبير عنه أن يقال ولقد هم بها وهمت به لأن الأول هو المقدم في الطبع والوضع وهو الهم الحقيقي والهم الثاني متوقف عليه لا يتحقق بدونه وهذا ثالثا.
على انه قد علم من القصة ان هذه المراة كانت عازمة على ما طلبته طلبا جازما مصرة عليه ليس عندها ادنى تردد فيه ولا مانع منه يعارض المقتضى له فاذن لا يصح أن يقال انها همت به مطلقا حتى لو فرض جدلا انه كان قبولا لطلبه ومواتاة له إذ الهم مقاربة الفعل المتردد فيه واما الهم بمعنى قصدها له بالضرب تأديبا فيصح ذلك فيه بأهون تقدير وهذا رابعا انتهى ملخصا مما اورده صاحب المنار في تفسيره.
والجواب انه يشارك القول السابق في معنى همه بها فيرد عليه ما اوردناه على سابقه واما ما يختص به ان المراد بهمها به قصدها اياه بضرب ونحوه فمما لا دليل عليه اصلا واما مجرد اتفاق ذلك في بعض نظائر القصة فليس يوجب حمل الكلام عليه من غير قرينة تدل على ذلك.
واما ما ذكره في استبعاد ان يراد من قوله ولقد همت به الهم على المخالطة أو عدم صحته فوجوه سخيفة جدا فان من المعلوم ان هذه المخالطة تتألف عادة من حركات وسكنات شأن المرأة فيها الفعل دون الانفعال والعمل دون القبول فلو همت به بضم أو ما يناظره ليلتهب بذلك ما خمدت من نار غريزته الكامنة وتلجئه إلى اجابتها فيما تريده منه صح أن يقال انها همت به أي بمخالطته وليس من الواجب ان يفسر همها به بقصدها خصوص ما هي قابلة له حتى لا يصح به اطلاق الهم عليه.
واما ما ذكره اخيرا انها كانت جازمة غير مترددة فلا يصح ان يراد بهمها الهم على ما تريده من المخالطة ففيه انها انما كانت جازمة في ارادتها منه وعزيمتها عليه واما في تحقق الفعل ووقوعه على ما قدرته فلا كيف؟ وقد شاهدت من يوسف الامتناع والاباء عن مراودتها وانما همت به لما قابلها بالاستنكاف ولا جزم لها مع ذلك باجابته لها ومطاوعته لما ارادته منه وهو ظاهر.
5- ومن الاقوال في الآية حمل الكلام على التقديم والتاخير ويكون التقدير ولقد همت به ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها ولما راى برهان ربه لم يهم بها ويجرى ذلك مجرى قولهم قد كنت هلكت لولا انى تداركتك وقد كنت قتلت لولا انى خلصتك والمعنى لولا تداركي لهلكت ولو تخليصي لقتلت وان كان لم يقع هلاك وقتل ومثله قول الشاعر:
فلا تدعني قومي ليوم كريهة ** لئن لم اعجل ضربة أو اعجل

وفى القرآن الكريم: {إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها} نسبه في المجمع إلى أبى مسلم المفسر.
والجواب انه ان كان المراد به ما ربما يقوله المفسرون ان في القرآن تقديما وتأخيرا فانما ذلك فيما يكون هناك جمل متعددة بعضها متقدمة على بعضها بالطبع فأهمل النظم واكتفى بمجرد العد من غير ترتيب لعناية تعلقت به كما قيل في قوله تعالى: {وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها باسحاق ومن وراء اسحاق يعقوب} هود: 71 انه من التقديم والتأخير وان التقدير فبشرناها فضحكت واما قوله: {وهم بها لولا ان رأى برهان ربه} فالمعنى يختلف فيه بالتقديم والتاخير فهو إذا قدم كان هما مطلقا من غير تقييد لعدم جواز كونه جوابا للولا مقدما عليها على ما ذكروه وإذا اخر كان هما مقيدا بالشرط.
وان كان المراد انه جواب للولا مقدم عليها فالنحاة لا يجوزونه قياسا على ان الشرطية ويؤولون ما سمع من ذلك اللهم إلا أن يكون ذلك خلافا منه لهم لعدم الدليل على هذا القياس ولا موجب لتأويل ما ورد في الكلام مما ظاهره ذلك 6- ومن الاقوال في الايه ما ذكروا انها اول ما همت به في منامها وهم بها لأنه رآها في منامه فعند ذلك علم انها له فلذلك هم بها اورده الغزالي في تفسيره قال وهذا وجه حسن لأن الأنبياء كانوا معصومين لا يقصدون المعاصي انتهى.
والجواب انه ان اريد به ان قوله وهم بها حكاية ما رآه يوسف عليه السلام في المنام فهو تحكم لا دليل عليه من جهة اللفظ البتة وان اريد به انه عليه السلام رآها في المنام وهم بها فيه واعتقد من هناك انها له وخاصة بناء على ان رؤيا الأنبياء وحي ثم هم بها في اليقظة في مجلس المراودة بالمضي على اعتقاده فيها فادركته رؤية برهان من ربه يبين له انه قد اخطأ في زعمه ففيه اثبات خطأ الأنبياء في تلقى الوحى وليس ذلك باقل محذورا من تجويز اقدامهم على المعاصي.
على ان الآية السابقة وقد عد فيها المخالطة ظلما لا يفلح صاحبه واستعاذ بالله منه تناقض ذلك فكيف يزعم انها له وهو يعده ظلما ويستعيذ منه بالله سبحانه؟ فهذه عمدة الاقوال في الآية وهى مع ما قدمناه اولا ترتقى إلى سبعة أو ثمانية وقد علمت ان معنى رؤية البرهان يختلف بحسب اختلاف الاقوال فمن قائل انه سبب يقيني شاهده يوسف عليه السلام ومن قائل انه الآيات والامور التي ظهرت له فردعته عن اقتراف الخطيئة ومن قائل انه العلم بحرمة الزنا وعذابه ومن قائل انه ملكة العفة ومن قائل انه العصمة والطهارة وقد عرفت ما هو الحق منها وسنعود إليه في كلام خاص به بعد تمام البحث عن الآيات ان شاء الله تعالى.
قوله تعالى: {واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر} الاستباق هو التسابق وقد تقدم والقد والقط هو الشق إلا أن القد هو الشق طولا والقط هو الشق عرضا والدبر والقبل كالخلف والامام.
والسياق يعطى ان استباقها كان لغرضين مختلفين فكان يوسف عليه السلام يريد ان يفتحه ويتخلص منها بالخروج من البيت وامرأة العزيز كانت تريد ان تسبقه إليه فتمنعه من الفتح والخروج لعلها تفوز بما تريده منه وان يوسف سبقها الى الباب فاجتذبته من قميصه من الوراء فقدته ولم ينقد الا لأنه كان في حال الهرب مبتعدا منها والا لم ينشق طولا.
وقوله: {وألفيا سيدها لدى الباب} الالفاء الوجدان يقال الفيته كذا أي وجدت والمراد بسيدها زوجها قيل انه جرى على عرف مصر وقد كانت النساء بمصر يلقبن زوجهن بالسيد وهو مستمر إلى هذا الزمان.
قوله تعالى: {قالت ما جزاء من اراد باهلك سوء إلا أن يسجن أو عذاب اليم} لما ألفيا سيدها لدى الباب انقلب مجلس المراودة إلى موقف التحقيق وانما اوجد هذا الموقف وجود العزيز لدى الباب وحضورهما والهيئة هذه الهيئة عنده ويتكفل ما جرى في هذا الموقف قوله: {وألفيا سيدها لدى الباب} إلى تمام خمس آيات.
فبدأت امرأة العزيز تشكو يوسف إليه وتسأله ان يجازيه فذكرت انه اراد بها سوء وعليه ان يسجنه أو يعذبه عذابا اليما لكنها لم تصرح بذلك ولا بشئ من اطراف الواقعة بل كنت وأتت بحكم عام عقلائي يتضمن مجازاة من قصد ذوات البعل بالفحشاء فقالت {ما جزاء من اراد باهلك سوء إلا أن يسجن أو عذاب اليم} فلم يصرح باسم يوسف وهو المريد ولا باسم نفسها وهى الاهل ولا باسم السوء وهو الزنا بذات البعل كل ذلك تأدبا في حضرة العزيز وتقديسا لساحته.
ولم يتعين الجزاء بل رددته بين السجن والعذاب الاليم لأن قلبها الواله إليه الملئ بحبه ما كان يساعدها على التعيين فان في الابهام نوعا من الفرج إلا أن في تعبيرها بقولها {باهلك} نوعا من التحريض عليه وتهييجه على مؤاخذته ولم يكن ذلك الا كيدا منها للعزيز بالتظاهر بالوجد والاسى لئلا يتفطن بواقع الأمر فيؤاخذها اما إذا صرفته عن نفسها المجرمة فان صرفه عن مؤاخذة يوسف عليه السلام لم يكن صعبا عليها تلك الصعوبة.
قوله تعالى: {قال هي راودتني عن نفسي} لم يبدأ يوسف عليه السلام بالقول ادبا مع العزيز وصونا لها ان يرميها بالجرم لكن لما اتهمته بقصدها بالسوء لم ير بدا دون ان يصرح بالحق فقال هي راودتني عن نفسي وفي الكلام دلالة على القصر وهى من قصر القلب أي لم اردها بالسوء بل هي التي ارادت ذلك فراودتني عن نفسي.
وفي كلامه هذا وهو خال عن اقسام التأكيد كالقسم ونحوه دلالة على سكون نفسه عليه السلام وطمأنينته وانه لم يحتشم ولم يجزع ولم يتملق حين دعوى براءته مما رمته به إذ كان لم يأت بسوء ولا يخافها ولا ما اتهمته وقد استعاذ بربه حين قال معاذ الله قوله تعالى: {وشهد شاهد من اهلها ان كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين} إلى آخر الآيتين لما كانت الشهادة في معنى القول كان قوله ان كان قميصه الخ بمنزلة مقول القول بالنسبه إليه فلا حاجة إلى تقدير القول قبل قوله ان كان قميصه الخ وقد قيل ان هذا القول لما ادى مؤدى الشهادة عبر عنه بلفظ الشهادة.
وقد اشار هذا الشاهد إلى دليل ينحل به العقدة ويتضح طريق القضية فتكلم فقال ان كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين فان من البين ان احدهما صادق في دعواه والاخر كاذب وكون القد من قبل يدل على منازعتهما ومصارعتهما بالمواجهة فالقضاء لها عليه وان كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين فان كون القد من دبر يدل على هربه منها وتعقيبها اياه واجتذابها له إلى نفسها فالقضاء له عليها وهو ظاهر.